امنوس .ما _ كتب: ذ/ عبد المنعم شوقي
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).. ليس هناك أيها الأحبة أبلغ من هذه الآيات القرآنية الكريمة لوصف الفاجعة التي قدرها الله سبحانه وتعالى لتكون ابتلاء وامتحانا جديدا لبلادنا.. إن القلب ليحزن فعلا، وإن العين لتدمع من هول ما حدث.. وبما أنه لا راد لقضاء الله، فإن الظرفية تستلزم الوقوف وقفة رجل واحد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
طيعا، ليس هذا هو الاختبار الأول لصبر المغاربة وقياس درجة تضامنهم وتكافلهم.. فبلادنا، والحمد لله، اجتازت محطات صعبة وعديدة أبانت فيها ملكا وشعبا أنها في مستوى التحديات. فبقدر ما نرضى بما كتبه الله علينا من محن وابتلاءات، فإن المغاربة أظهروا دوما سمو أخلاقهم وجميل تكافلهم وعظيم تآزرهم ليشد بعضهم بعضا.
لقد جاء استقلال بلدنا بوطنية صادقة وجهاد مستميت من طرف مقاومينا الذين تركوا لنا إرث هذا الوطن العزيز.. إنها أمانة ثقيلة ومسؤولية كبيرة تحملها شعب وفي بقيادة ملوك شرفاء عظماء. ولنا في تاريخنا المجيد نماذج من شيم التلاحم بين العرش والشعب لتجاوز الصعاب والأزمات.. ويكفي هنا ذكر تجاربنا في المحن منذ عهد الحماية قصد إبراز معدن هؤلاء الملوك ومعدن هذا الشعب الأبي.. لقد رأينا كيف تعامل جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه مسنودا بولي عهده آنذاك الراحل الحسن الثاني وبالشعب المغربي الباسل مع زلزال أكادير بتاريخ 29فبراير 1960، وكيف تعامل أيضا جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ومعه المغاربة قاطبة مع زلزال الحسيمة سنة2004، ثم التعامل أيضا مع جائحة كوفيد 19 التي أبانت عن أبهى صور التضامن والتلاحم بين أبناء وطننا المتواجدين في مختلف بقاع العالم. وهاهو زلزال الجمعة الأخير يوحد المغاربة من جديد ليهبوا ملكا وشعبا إلى تقديم كل سبل المساعدة الممكنة.. تعليمات ملكية آنية للتدخل والإنقاذ.. مبادرات ومساهمات من كل ربوع الوطن.. حضور مكثف للمتبرعين بدمائهم.. ولوحات أخرى توحي أن الخير لا ينقطع من هذه الأمة الكريمة. فحتى لاعبو منتخبنا الوطني الذين قدموا نتائج باهرة في كأس العالم الأخيرة، هاهم اليوم يقدمون دماءهم فداء لمنكوبي هذا الزلزال الكبير.. إنه مثال بسيط على عظمة هذا الشعب الذي تقوده حكمة أمير المؤمنين بخصال من التعاون والمحبة والإخاء.
نعلم أيها الأحبة أن مصابنا جلل كبير، وأن عملية دفن موتانا مستمرة في مختلف مواطن النكبة.. نعلم أيضا أن مدننا وقرانا وأريافنا تعيش على وقع الآلام والأوجاع، وأن مستشفياتنا تعج بالجرحى وطالبي العلاج.. ولكننا نعلم في الآن نفسه أننا أمة لا تسقط، وأننا وطن يمرض ولا يموت.. ستمر هذه الأيام السوداء، وسننهض من جديد بفضل ملكنا الرشيد وشعبنا الطيب الباسل..
اللهم إنا نسألك الرحمة لكل فقيد وراحل، والشفاء لكل جريح ومريض والفرج لكل مغموم ومنكوب..
شكرا من الأعماق لكل القلوب الطاهرة التي لا يغمض لها جفن حتى تنجلي ظلمة هذه الفاجعة..
تعليقات الزوار ( 0 )